(عذراً أيها الحب . نور نديم عمران سورية / اللاذقية

إنها الجراحة الثانية خلال شهر…
لم أكن أعتقد أن الموضوع سيأخذ أبعاداً،وتعاملت معه بشكل طبيعي كما قال الطبيب: فهذا يحدث عادة عندما تدخل المرأة في الأربعين …
أنا امرأة أربعينية ،فاجأني الموضوع وأحببته،واهتممت به أكثر من حالتي الصحية ،فلطالما ظلت روحي معلقة على سياج ورد دارنا العتيق في تلك القرية الجبلية ؛عندما كنت فراشة خطفها الحب من طموحات وأحلام قبل أن تكمل العشرين،
فظنت نفسها الأميرة المتوجة بعدما حصدت غيرة جميع الفتيات وقد استحوذت على قلب الشاب الأجمل في القرية وحملت اسمه ،فصارت تطير فوق الأرض في سيرها .
ولكن ولأن للعين حقها ولأني لم ألتزم وصية أمي بارتداء خرزة زرقاء ترد عني السلبية والأذى ،تعثرت أمور حملي ،وبدأت أواجه ضغوطات عائلة زوجي و..و…وانقلبت حياتي وموازيني ،فوجدت نفسي أخضع للجراحات الواحدة تلو الأخرى ،وأفقد ألقي وفرحي ورغبتي في أي شيء.
حماني حب زوجي مؤتمن ، وأعاد إلي شيئاً من نفسي إلى أجلٍ محدد، لكن عشر سنوات من الانتظار كانت كافية بالنسبة للجميع ،فتزوج سراً لكيلا يؤلمني …
وتظاهرت لخمس سنوات أخرى أني لا أعلم ،فلا مكان أعود إليه لذا كان علي الادعاء حتى أعلّم نفسي كيف تعتمد على ذاتها…
تعلمت أشياء كثيرة وعملت وأصبحت لي حياة خاصة ساعدني في خلقها انشغال زوجي بعائلته السرية .
جاءتني أم مؤتمن في ليلة بائسة كوجهها وألقت قنبلة في وجهي لتجبرني على ترك المنزل فهي تريد أن يربى أحفادها في حضنها،لا أن تؤذي ناظريها برؤية امرأة عاقر.
مضت السنوات الأولى بعد طلاقي قاسية ،لكني استفدت مما تعلمته في فترة استعدادي لها لأخرج منها بقوة.
وها أنا في الأربعين أعود لأحقق أحلامي في الحياة ؛ فيعاود الحب هجمته الشرسة على قلبي ، ويدق قلبي مجدداً مع تباشير تشرين ، إنه زميلي في العمل ، انشغلت بحبه عن العارض الصحي ،ليتأزم الوضع وأسعف في ليلة مطيرة بعد أن نال الألم مني مانال،وليزداد ألمي مع اختلاف الآراء الطبية فأهرب إلى الحب أجد فيه ملاذي،وأتحرر من جسدي إلى روح أحبها …توءم الشعلة الذي أيقظ روحي بعد نوم سنوات خمس.
رجل خمسيني ،يشبهني في تفاصيل معاناتي وحربي في الحياة ،وأشبهه في إصراري وعنادي ….
له قصص ولي قصص…ومابين قصصنا حصل تناص.
كان محمد أجمل ما يمكن أن يحدث لي ، وانتظرت في حبه أن ألّون أفقي بألوان قوس قزح …
كان كل شيء ليغدو مثالياً ،لكن ليس في هذا العالم كما يبدو.
جلست اليوم في انتظار الطبيب ،ذكّرني وجهه ببؤس حماتي وكانت اوراق التحاليل والصور بين يديه قنابل موقوتة كتلك التي فجرتها (أم مؤتمن) يوماً:
“أعتذر سيدة ليلى ….. لابد من الاستئصال إنها كتلة كبيرة …”
أيها الرحم العاق….تصر دوما ً على خذلاني….أهذا وقت المرض؟!
إنه وقت الحب والألق..
حرمتني أمومتي والآن تحرم روحي متعة التحليق.
أما آن لي أن أتخلص من أوجاعك.
حاولت الابتعاد كثيراً عن محمد وفشلت،راجعت أحداثا ً وتفاصيل كثيرة .. …فعلاقتي به أمر لايمكنني المغامرة فيها ، كل الجمال والصدق الذي كان في تواصلنا في الشهور الماضية وما حمله من قيم وأحلام..هل يمكن أن ينتهي ؟!.
عند الصباح …كان ثمة موعد بيننا سأعلمه فيه بقراري النهائي حول ارتباطنا…
خرجت من مكتبي ،وجدته أمامي تفصلنا عشرة أمتار ،كنا وحدنا تماما ً في ذلك الممر الطويل وكان يتجه نحوي بابتسامة عريضة وخجل وعينين تفيضان بالمحبة ..وكنت أفتح قلبي لأستقبله بفرح العالم كله… وكل مابي يهتف: آه كم أحبك …!
تلك كانت لحظتنا المثالية التي لن أنساها يوماً…
همس لي بضع كلماتكان آخرها: تذكري أن لك معزة كبيرة في القلب دوماً.
دخلنا المكتب و أعددنا القهوة معاً…وانسكبت فوق الأوراق ..وشربناها مع رائحة الياسمين…
كانت تلك نشوة الحب الحقيقي بالنسبة. إلي….
سألني محمد بحذر:
هل اتخذت قرارك يا ليلى …؟
لم أنو إخباره عن وضعي الصحي لأني اعتبرت ماحدث معي رسالة من الله عز وجل لمساعدتي في اتخاذ قراري….: أخذت من علبة سجائره واحدة ،فاستغرب وهو يدرك أني لا أدخن.
ضحكت وأنا أعلن عن رغبتي في أن نتشارك شيئاً ما لم أفعله مسبقا ً.
كانت سحب الدخان الصغيرة تدل على أني لست متمرسة في صنعها ، ونضيف إلى ذلك اختناق صوتي وانا أقول:
أعتذر لكل اللغط الذي حدث…
أنا صادقة في كل نبضة وكل حرف…ولكن لايمكن أن أسرقك من عائلتك وأولادك ،لن أدّعي أني سأكون أفضل حالاً دونك
ولكن علي أن أرمم نفسي ،سأكون قوية وأنتصر في النهاية..تعودت على ذلك .. لابد من الألم …ولابد من الضعف أحيانا ً،ولابد أن أهتف إليك كلما جرفني الحنين وفشلت في إيقافه.
لكن بلاشك …أتمنى لو أدفع ماتبقى من عمري ،كثيراً كان أم قليلاً ونعود كنا كنا قبل شهرين صديقين فقط …كل شيء كما كان تماماً.
لا اعرف مالذي يمكن أن يقال بعد..
أناحزينة لأجل مايحدث، ولكن كان لابد من هذا القرار ،ربما من اثجلي أنا ..
حاول عبثاً أن يثنيني عن عزمي ويسوق لي أمثلة تؤكد نجاح الزواج الثاني في تجارب كثيرين ..
،لكني كنت أعلم أن لامكان لي إلا هناك على سياج دار بيتنا العتيق في قريتي الجبلية ،حيث يمكن لجسدي أن يرقد بسلام بينما تظل الروح تحوم هنا تحرس روح حبيبها حتى تهدأ.