اهم المقالات

العَدْل بَيْنَ الزَّوْجَه الْمُسْلِمَة وَالكِتَابِيَّة

بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
تقول الزوجة :تزوج زوجي بزوجة كتابية ،ويقضي معها وقتا أطول، ويقول في عذره : إنها مسيحية ، وإنها لن تقبل بنظام تعدد الزوجات ، ولذلك فهي بحاجة لبعض الوقت للتكيف مع الوضع ، ويقول لي كوني صبورة ، وأنا لا أقبل بهذا الوضع وأريد فراقه لظلمه لي ،فهل من العدل المكوث مع الزوجة الكتابية مدة أطول ووقتا أكبر أم أن المساوة هي المطلوبة ؟
الجواب:
أمر الله بالعدل قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]،” فالله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل ، وهو الإنصاف “.
” وقال عزّ مِن قائل: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8].فيجب العدل بين الزوجات أيا كانت ديانتهم باتفاق المسلمين
وحرم الله تعالى على عباده الظلم ، وتوعد الظالمين بالعقوبة في الدنيا والآخرة .
فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ) .
“فالعدل بين الزوجات – ولو مختلفات في الدين – واجب . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء ، وذلك لأن القسم من حقوق الزوجية ، فاستوت فيه المسلمة والكتابية ، كالنفقة والسكنى ، وهذا عند جميع الفقهاء . ومن حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته ، في القسم والمبيت والنفقة والكسوة والسكنى وغير ذلك من ضروب المعاملة المادية ،
“وهو واجب على الزوج قال الله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء / 3] أباح الله للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة بشرط “أن يأمن من نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن .فإن خاف شيئا من هذا : فليقتصر على واحدة ،أو على ملك يمينه ، فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين . .
وقوله تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ }، ندب الله تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة ، وإنما يخاف على ترك الواجب ، فدل على أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب ، وإليه أشار في آخر الآية بقوله عز وجل : ( ذلك ) أي : الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين { أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا } سورة النساء / 3 ] ، أي تظلموا وتجوروا ، والجور حرام فكان العدل واجبا ضرورة ؛ ولأن العدل مأمور به في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل وَالإِْحْسَانِ } سورة النحل / 90 ] على العموم والإطلاق إلا ما خص أو قيد بدليل ؛ ولأن النساء رعية الزوج ، فإنه يحفظهن وينفق عليهن ، وكل راع مأمور بالعدل في رعيته .
وعلى هذا لو تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم ، وعدم القيام بالواجب – ولو كان مباحا- أنه لا ينبغي له أن يتعرض له ، بل يلزم السعة والعافية ، فإن العافية خير ما أعطي العبد .
في أي شيء يكون العدل
العدل بين الزوجات واجب في المسكن والمأكل والملبس والمبيت ، بل وفي كل شيء ظاهر ، يمكنه العدل فيه .”سواء من الهدايا أو النفقات ، بل وحتى الجماع إن قدر : يجب عليه أن يعدل فيه ” “ولا فرق بين غنية وفقيرة، لأن الكل زوجات له ،وواجب عليه أن يعدل بينهما ” وقيل “العدل الواجب في القسم يكون فيما يملكه الزوج ويقدر عليه من البيتوتة والتأنيس ونحو ذلك ، أما ما لا يملكه الزوج ولا يقدر عليه كالوطء ودواعيه ، وكالميل القلبي والمحبة فإنه لا يجب على الزوج العدل بين الزوجات في ذلك ؛ لأنه مبني على النشاط للجماع أو دواعيه والشهوة ، وهو ما لا يملك توجيهه ولا يقدر عليه ، وكذلك الحكم بالنسبة للميل القلبي والحب في القلوب والنفوس فهو غير مقدور على توجيهه ، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } سورة النساء / 129] يعني في الحب والجماع ، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني المحبة وميل القلب ؛ لأن القلوب بيد الله تعالى يصرفها كيف شاء”
ونص الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه يستحب للزوج أن يسوي بين زوجاته في جميع الاستمتاعات من الوطء والقبلة ونحوهما لأنه أكمل في العدل بينهن ، وليحصنهن عن الاشتهاء للزنا والميل إلى الفاحشة ، واقتداء في العدل بينهن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روي أنه كان يسوي بين نسائه حتى في القبل .
فعن جابر بن زيد قال : كانت لي امرأتان وكنت أعدل بينهما حتى في القبل .
وعن مجاهد قال : كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء ، حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه .
وكان محمد بن سيرين يقول فيمن له امرأتان : يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى
ونص المالكية على أن الزوج يترك في الوطء لطبيعته في كل حال إلا لقصد إضرار لإحدى الزوجات بعدم الوطء – سواء تضررت بالفعل أم لا – ككفه عن وطئها مع ميل طبعه إليه وهو عندها لتتوفر لذته لزوجته الأخرى ، فيجب عليه ترك الكف ؛ لأنه إضرار لا يحل
ونقل ابن عابدين عن بعض أهل العلم أن الزوج إن ترك الوطء لعدم الداعية والانتشار عذر ، وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته”
وجاء في الخبر : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط ” . وفي رواية : ( أحد شقيه مائل ) .قال الشيخ المباركفوري رحمه الله :قال الطيبي في شرح قوله ( وشقه ساقط ) : أي : نصفه مائل ، قيل : بحيث يراه أهل العرصات ليكون هذا زيادة في التعذيب .
وقال العيني: المراد سقوط شقه حقيقة. أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى ، والظاهر : الحقيقة، تدل عليها رواية أبي داود “شقه مائل ” والجزاء من جنس العمل ، ولما لم يعدل ، أو حاد عن الحق ، والجور والميل: كان عذابه أن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل .أ.هـ.
هل يؤاخذ الإنسان على الميل القلبي ؟
الميل بالفعل ، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم . قال الله سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ) معناه : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ، فلا تميلوا كل الميل ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .. .أ.هـ. ” وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : اللهم هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”
ومن الأمور التي يجب العدل فيها القسم وهو ـ العدل في أن يقسم لكل زوجة يوما وليلة ـ ويجب أن يبقى معها في تلك الليلة .
قال الشافعي رحمه الله : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك … ” . وقال : ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن .أ.هـ.”
وقال البغوي رحمه الله : إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كن حرائر ، سواء كن مسلمات أو كتابيات .. فإن ترك التسوية في فعل القسم : عصى الله سبحانه وتعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، ”
وقال ابن حزم رحمه الله : والعدل بين الزوجات فرض ، وأكثر ذلك في قسمة الليالي .أ.هـ. ”
وقال ابن تيمية رحمه الله : يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا : بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم .أ.هـ ”
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف} ، وليس مع الميل معروف .أ.هـ. ”
فعلى هذا الزوج أن يتقي الله وأن يعدل في القسمة ، وعلى الزوجة أن تعلمه بحكم الشرع في فعله وبوعيد الظلم وتذكره بالله واليوم الآخر فلعله أن يراجع نفسه ويعدل في القسمة وهذا خير من الفراق إن شاء الله .
فالزوجة إذا رأت من زوجها ميلا للأخرى على حسابها ، أو ظلما لها في حقها : فلتبادر لنصح زوجها بالتي هي أحسن ، ولتذكره بما أوجبه الله عليه من العدل ، وبما حرمه الله عليه من الظلم ، ولتبادر – كذلك – لنصح أختها لئلا تقبل بالظلم ، ولا بأخذ ما ليس لها من حق ، وعسى الله أن يهديه لإقامة العدل ، وإعطاء كل ذي حق حقه .” والدين الإسلامي لا يبيح للمسلم ظلم أحد مطلقا؛ وافقه في دينه أو خالفه، ولا فرق في ذلك بين الزوجة وغيرها، ولا بين الزوجة المسلمة والكتابية، وقد أوجبت الشريعة الغراء على الزوج المسلم أن يعدل بين زوجاته إذا كن أحرارا؛ فيسوي بينهن في البيتوتة، وعدم الجور في النفقة.” وما ننصحك به هو المزيد من الصبر تجاه ظلم زوجك لك ، ولا ينكر أنه قد وقع التقصير في حقك ، ولكنه أخطأ في تقديره وربما حمله هواه وحبه لزوجته الجديدة عن تحقيق العدل ، وتذرع بكونها غير مسلمة وبحاجة إلى بعض الوقت لفهم أحكام الشريعة وتقبلها ، وذلك من وساوس الشيطان ، وتسويله المعصية بأعذار واهية ، والعدل قيمة واجبة في نفسه ، ولا يحل تأليف قلب غير المسلمة بظلم الزوجة الأولى ، فالظلم وهضم الحق لن يكون أبدا سببا للدعوة أو الإقناع ، بل ذلك من القهر والاعتداء الذي لا يرضاه الله عز وجل ،والزواج من أعظم العهود والعقود التي يجب الوفاء بحقوقها كاملة تامة ، وإلا تعرض منتقصها إلى عقوبة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى