تحقيقات وتقارير

الأبيض و الأسود . الرمزية و الدلالة.. المنظور الجمالي وحقيقة الوجود

حوار . نور نديم عمران

لكل لون سحره وجماله وتأثيره الذي لايقاوم ،ولكل إنسان لونه المفضل الذي يندفع إليه دون وعي منه فتراه يقتني أشياءه ولوازمه من اللون ذاته أو اشتقاقاته ..
ولكن يبقى للون الأسود خصوصيته وكذلك الأبيض ،فهما اللونان الأساسيان الأكثر وضوحا” كالظل والنور ..وقد تختلف رؤيا الفنانين لهذين اللونين وطريقة تعاطيهم معهما،فهم يتذوقون جمال الألوان بوعي ولايمرون عليها مرور الكرام،لأنها كأوكسجين الحياة بالنسبة إليهم أو كالفيتامينات التي تمنحهم القوة.
حول الأبيض والأسود من حيث الدلالة والرمزية والمنظور الجمالي ؛حاورنا ثلة من التشكيليين ..فكانت محطتنا الأولى مع الفنان السوري اسماعيل توتنجي الذي سألناه عن خوضه لتجربة الرسم بهذين اللونين، وإن كان ذلك مرتبطا”لديه بحالة مزاجية معينة فكان جوابه:
يحن الإنسان دائما”للماضي …والرسم بهذين اللونين يمثل ارتدادا”للماضي …عودة لزمن النقاء والطهارة والجمال…تماما”كما حين نتابع فيلما”بالأبيض والأسود كنا ننصهر فيه ونشعر أننا جزء منه، الأفلام القديمة كانت مدرسة بالنسبة إلينا …هي الرؤيا الحقيقية …انعكاس حقيقي للواقع على عكس الأفلام الملونة التي نتخبط فيها ولانشعرها تمثلنا أو تصور دواخلنا ،وكذلك الرسم بالأسود والأبيض يعطيني انطباعا”جماليا” مميزا”..يرتبط بالمراسم الاحتفالية والأعراس واستمرارية الحياة …له أفق واسع وامتدادات لانهائية.
أما الفنان العراقي أحمد .غريب فقد أقام معرضا”كاملا”لأعمال رسمها فقط بهذين اللونين الذين يحملان له مشاعر مختلفة قليلا” حيث قال:
بالطبع يرتبط الرسم بهما بالألم والحزن …
عند عملي باللون الأسود أشعر برهبة كبيرة تأخذني الى ماضي وكأنني اخاطب تاريخا” قديما”..
اللون له دور كدور الرسم تماما والتخطيط لأنه الكتلة التي تنفصل عن الأخرى من خلال شكلها ولونها.
وللفنان السوري نزار الحطاب تجربة مميزة حيث قدم عدة أعمال باللونين المعنيين بالحديث فالأبيض لديه هو النور والأسود هو الظل أي الظلام ..و كما يرى فباستطاعة الفنان أن يلون كل شي بالأسود والأبيض وأن يظهر جميع الألوان بهما… ويضيف:إن اللونين الأبيض والأسود هما الألوان الأساسية للحياة… .أما بالنسبة للتعبير فمن الممكن أن نعبر عن حالتنا بهما فقط ولذلك جمال خاص ومريح لأنهما هما الأساس..
ولعل الفنانة التشكيلية العراقية ميسون الجبوري تقدم طرحا”مختلفا”أو فلنقل أكثر عمقا” بعدما قدمت رؤياها للموضوع قائلة:( مابين العتمة و الضوء مشوار لأمل يولد من جديد أو بداية قلق أو خوف أو حب أو أية حياة جديدة . ومن حركة هذين اللونين تولد أو تنتهي حياة كخروج جنين من العتمة إلى النور أو خروج حياة من النور إلى العتمة . ومابين الدخول والخروج هناك مساحة لألوان أخرى ناطقة ومتحركة مليئة بالضجيج أو الاحتجاج أحيانا والصمت في أحيان أخرى .
اللون الأبيض لون له خصوصية مميزة اذا تكمن خصوصيته في مدى شفافيته وتقبل الآخر ( ألوان أخرى دخيلة ) فهو مرن ، يفرد ذراعيه لتلقي طروحات مختلفة ، إضافة إلى سلاسته في الامتزاج بالألوان المختلفة وتحديد مدى قوتها أو شفافيتها .
أما بالنسبة إلى اللون الأسود فإنه يتمتع بمميزات معينة فهو لون قوي وحادوجميل وشرس أحيانا حسب استخدامه . وأية لوحة تبدو باهتة بدونه فهو يدخل بتركيبة الألوان الحارة . وعلى الرغم من أن البعض يرى باللون الأسود أنه لون حزين غير أني أراه لونا” قويا” ومعبرا” وغامضا” ويكمن غموضه باختفاء الحقائق أو الرؤيا خلفه . فبين طيات الأسود تختفي حيوات مليئة بالمباهج والمسرات ربما أو أحزان او حنين أو عشق أو قسوة أو أية مفردة من مفردات الحياة.. . إذا” من الظلم أن نقرن اللون الأسود بالحزن .
بالنسبة إلى استخدام هذين اللونين في لوحة والاستغناء عن بقية الألوان ، ومع أننا لا ننكر أهمية وجمالية الألوان في حياتنا .. لكننا هنا بصدد الحديث عن هذين اللونين أستطيع أن أقول أن هذين اللونين كافيين لتوضيح فكرة الفنان في أية لوحة وحتى جمالية هذين اللونين وانسجامهما معا يمكن أن تتجسد على جلود بعض الحيوانات مثل الحمار الوحشي أو الباندا على سبيل المثال .
لذا هما لونين مهمين جدا” سواء في الحياة أو الفن) .
وعلى الرغم من كون الفنانة السورية لينا رزق لم تخض هذه التجربة بل اتجهت إلى عالم الألوان الواسع إلا أنا استأنسنا برأيها حول الموضوع حيث قالت:(للأسف أنا لم يكن لي تجارب بالأبيض والأسود،هي مرحلة جميلة تقوي حس الفنان بالظل والنور. لكنها توحي بالمأساة والحزن،لذلك أفضل الألوان حتى نتخلص من آلامنا وأحزاننا ونلجأ للأمل والنور.
طبعاً فيما لوكانت صورة فوتوغرافية بالرماديات، تشعرني بهذا الشعور لكن اللوحة مدلولها مختلف…..)
وختاما”يبقى الأسود والأبيض سيدي الألوان يتربعان على عرشها وفيهما تنصهر جميعها على اختلاف درجاتها وحرارتها وجماليتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى